فصل: هلال رمضان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


هلال رمضان

11 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ بماذا يثبت دخول شهر رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يثبت دخول شهر رمضان إما برؤية هلاله، وإما بإكمال شعبان ثلاثين يوماً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين‏)‏‏.‏

* * *

الطريقة الشرعية التي يثبت بها دخول الشهر‏؟‏

21 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما هي الطريقة الشرعية التي يثبت بها دخول الشهر‏؟‏ وهل يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية في ثبوت الشهر وخروجه‏؟‏ وهل يجوز للمسلم أن يستعمل ما يسمى ‏(‏بالدربيل‏)‏ في رؤية الهلال‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الطريقة الشرعية لثبوت دخول الشهر أن يتراءى الناس الهلال، وينبغي أن يكون ذلك ممن يوثق به في دينه وفي قوة نظره، فإذا رأوه وجب العمل بمقتضى هذه الرؤية‏:‏ صوماً إن كان الهلال هلال رمضان، وإفطاراً إن كان الهلال هلال شوال‏.‏

ولا يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية إذا لم يكن رؤية، فإن كان هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها معتبرة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏‏.‏ أما الحساب فإنه لا يجوز العمل به، ولا الاعتماد عليه‏.‏

وأما استعمال ما يسمى ‏(‏بالدربيل‏)‏ وهو المنظار المقرب في رؤية الهلال فلا بأس به، ولكن ليس بواجب، لأن الظاهر من السنة أن الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها‏.‏ ولكن لو استعمل فرآه من يوثق به فإنه يعمل بهذه الرؤية، وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك لما كانوا يصعدون المنائر في ليلة الثلاثين من شعبان، أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار، وعلى كل حال متى ثبتت رؤيته بأي وسيلة فإنه يجب العمل بمقتضى هذه الرؤية، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏‏.‏

* * *

حكم ترائي الهلال

31 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم ترائي الهلال‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ترائي الهلال، هلال رمضان، أو هلال شوال أمر معهود في عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لقول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ‏:‏ ‏(‏تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه‏)‏‏.‏

ولا شك أن هدي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أكمل الهدي وأتمه‏.‏

حكم الدعاء عند رؤية الهلال

41 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يقوله من رأى الهلال‏؟‏ وهل يجوز لمن سمع خبر الهلال أن يدعو به ولو لم ير الهلال‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يقول‏:‏ الله أكبر، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه، ربي وربك الله، هلال خير ورشد، فقد جاء في ذلك حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما مقال قليل‏.‏

وظاهر الحديث أنه لا يدعى بهذا الدعاء إلا حين رؤية الهلال، أما من سمع به ولم يره فإنه لا يشرع له أن يقول ذلك‏.‏

* * *

رؤية الهلال في مكان من بلاد المسلمين دون غيره

رسالة

فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد‏:‏

فأسأل الله لكم العون ودوام التوفيق‏.‏

وأفيد فضيلتكم بأنا من موظفي سفارة خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله تعالى ـ في‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ونحن هنا نعاني بخصوص صيام شهر رمضان المبارك وصيام يوم عرفة، وقد انقسم الأخوة هناك إلى ثلاثة أقسام‏:‏

1 ـ قسم يقول‏:‏ نصوم مع المملكة ونفطر مع المملكة‏.‏

2 ـ قسم يقول نصوم مع الدولة التي نحن فيها ونفطر معهم‏.‏

3 ـ قسم يقول‏:‏ نصوم مع الدولة التي نحن فيها رمضان، أما يوم عرفة فمع المملكة‏.‏

وعليه آمل من فضيلتكم الإجابة الشافية والمفصلة لصيام شهر رمضان المبارك، ويوم عرفة مع الإشارة إلى أن دولة‏.‏‏.‏‏.‏ وطوال الخمس سنوات الماضية لم يحدث وأن وافقت المملكة في الصيام لا في شهر رمضان ولا في يوم عرفة، حيث إنه يبدأ صيام شهر رمضان ويوم عرفة هنا في ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ بعد إعلانه في المملكة بيوم أو يومين، وأحياناً ثلاثة أيام، حفظكم الله‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيما إذا رؤي الهلال في مكان من بلاد المسلمين دون غيره، هل يلزم جميع المسلمين العمل به، أم لا يلزم إلا من رأوه ومن وافقهم في المطالع، أو من رأوه، ومن كان معهم تحت ولاية واحدة، على أقوال متعددة، وفيه خلاف آخر‏.‏

والراجح أنه يرجع إلى أهل المعرفة، فإن اتفقت مطالع الهلال في البلدين صارا كالبلد الواحد، فإذا رؤي في أحدهما ثبت حكمه في الآخر، أما إذا اختلفت المطالع فلكل بلد حكم نفسه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ وهو ظاهر الكتاب والسنة ومقتضى القياس‏:‏

أما الكتاب فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ فمفهوم الآية‏:‏ أن من لم يشهده لم يلزمه الصوم‏.‏

وأما السنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ مفهوم الحديث إذا لم نره لم يلزم الصوم ولا الفطر‏.‏

وأما القياس فلأن الإمساك والإفطار يعتبران في كل بلد وحده وما وافقه في المطالع والمغارب، وهذا محل إجماع، فترى أهل شرق آسيا يمسكون قبل أهل غربها ويفطرون قبلهم، لأن الفجر يطلع على أولئك قبل هؤلاء، وكذلك الشمس تغرب على أولئك قبل هؤلاء، وإذا كان قد ثبت هذا في الإمساك والإفطار اليومي فليكن كذلك في الصوم والإفطار الشهري ولا فرق‏.‏

ولكن إذا كان البلدان تحت حكم واحد وأمر حاكم البلاد بالصوم، أو الفطر وجب امتثال أمره؛ لأن المسألة خلافية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف‏.‏

وبناء على هذا صوموا وأفطروا كما يصوم ويفطر أهل البلد الذي أنتم فيه سواء وافق بلدكم الأصلي أو خالفه، وكذلك يوم عرفة اتبعوا البلد الذي أنتم فيه‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 82/8/0241هـ‏.‏

حكم رؤية هلال ذي الحجة في بلد ما وهل تلزم جميع البلاد بأحكامه

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظكم الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فقد اطلعنا على فتوى سماحتكم في كتاب ‏(‏فتاوى إسلامية‏)‏ حول رؤية الهلال في بلد لا تلزم جميع البلاد بأحكامه‏.‏

فهل ينطبق هذا على رؤية هلال عيد الأضحى ‏(‏شهر ذي الحجة‏)‏ أفيدونا مأجورين‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الهلال تختلف مطالعه بين أرض وأخرى في رمضان وغيره، والحكم واحد في الجميع، لكني أرى أن يتفق الناس على شيء واحد، وأن يتبعوا ما يقوله أمير الجالية الإسلامية في بلاد غير المسلمين؛ لأن الأمر في هذا واسع إن شاءالله، حيث إن بعض العلماء يقول‏:‏ متى ثبتت رؤية الهلال في بلد الإسلام في أي قطر لزم الحكم جميع المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية‏.‏ كتبه محمد الصالح العثيمين في 51/2/1241هـ‏.‏

توحيد رؤية الهلال

51 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن الهلال وهل يمكن توحيده بحيث إذا رؤي في بلد وجب على جميع المسلمين الصوم في هلال رمضان والفطر في هلال شوال‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين‏:‏

هذه المسألة ـ أعني مسألة الهلال ـ مختلف فيها بين أهل العلم‏.‏

فمنهم من يرى أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في مكان على وجه شرعي، فإنه يلزم جميع المسلمين الصوم إن كان هلال رمضان، والفطر إن كان هلال شوال، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فعلى هذا إذا رؤي في المملكة العربية السعودية مثلاً وجب على جميع المسلمين في كل الأقطار أن يعملوا بهذه الرؤية صوماً في رمضان وفطراً في شوال، واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏، وعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ قالوا‏:‏ والخطاب للمسلمين، فيشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض‏.‏

ومن العلماء من يقول‏:‏ إنه لا يجب الصوم في هلال رمضان ولا الفطر في هلال شوال إلا لمن رأى الهلال، أو كان موافقاً لمن رآه في مطالع الهلال، لأن مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة بذلك، فإذا اختلفت وجب أن يحكم لكل بلد برؤيته، والبلاد الأخرى إن وافقته في مطالع الهلال فهي تبع له، وإلا فلا، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ واستدل لهذا القول بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وبقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ أي بنفس الدليل الذي استدل به من يرى عموم وجوب الصوم على كل أحد إذا ثبتت رؤيته في مكان من بلاد المسلمين، لكن الاستدلال يختلف، فوجه الاستدلال عند شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الآية والحديث‏:‏ أن الحكم علق بالشاهد والرائي، وهذا يقتضي أن من لم يشهد ولم يرَ لم يلزمه حكم الهلال، وعليه فإذا اختلفت المطالع فإن البلاد المخالفة لبلاد الرؤيا لا يكون قد شوهد فيها الهلال ولا رؤي، وحينئذ لا تثبت أحكام الهلال في حقهم، وهذا ولا شك وجه قوي في الاستدلال، وأقوى من الأول، ويؤيده النظر والقياس، فإنه إذا كان الشارع قد علق الإمساك للصائم بطلوع الفجر والفطر بغروب الشمس، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏}‏ فالشارع علق الحكم بتبين طلوع الفجر إمساكاً، وبالليل إفطاراً، والنبي عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ ‏(‏كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏إذا أقبل الليل من هاهنا‏)‏ وأشار إلى المشرق ‏(‏وأدبر النهار من هاهنا‏)‏ وأشار إلى المغرب ‏(‏وغربت الشمس فقد أفطر الصائم‏)‏‏.‏ ومعلوم بإجماع المسلمين أن هذا الحكم ليس عامًّا لجميع البلدان، بل هو خاص في كل بلد يثبت فيه هذا الأمر، ولهذا تجد الناس في الشرق يمسكون قبل الناس في الغرب، ويفطرون قبلهم حسب تبين طلوع الفجر وغروب الشمس، فإذا كان التوقيت اليومي متعلقاً في كل بلد بحسبه، فكذلك التوقيت الشهري يتعلق في كل بلد بحسبه، وبهذا يتبين أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ هو القول الراجح أثراً ونظراً‏.‏

وهناك قول ثالث‏:‏ أن الناس يتبعون إمامهم، فإذا قرر الإمام وهو ذو السلطة العليا في البلد دخول الهلال، وكان ذلك بمقتضى الأدلة الشرعية وجب العمل بمقتضى ذلك صوماً في رمضان وإفطاراً في شوال، وإذا لم يقرر ذلك فإنه لا صوم ولا فطر، واستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس‏)‏ وهذا هو الذي عليه العمل في وقتنا الحاضر‏.‏

وعلى هذا فنقول للسائل‏:‏ الأولى أن لا تظهر مخالفة الناس، فإذا كنت ترى أنه يجب العمل بالقول الأول وأنه إذا ثبتت رؤية الهلال في مكان من بلاد المسلمين على وجه شرعي وجب العمل بمقتضى ذلك، وكانت بلادك لم تعمل بهذا، وترى أحد الرأيين الآخرين فإنه لا ينبغي لك أن تظهر المخالفة لما في ذلك من الفتنة والفوضى والأخذ والرد، وبإمكانك أن تصوم سرًّا في هلال رمضان، وأن تفطر سرًّا في هلال شوال، أما المخالفة فهذه لا تنبغي وليست مما يأمر به الإسلام‏.‏

* * *

حكم ربط المطالع كلها بمطالع مكة

61 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هناك من ينادي بربط المطالع كلها بمطالع مكة، حرصاً على وحده الأمة في دخول شهر رمضان المبارك وغيره، فما رأي فضيلتكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا من الناحية الفلكية مستحيل، لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه‏.‏

أما الدليل الأثري فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏، فإذا قدر أن أناساً في أقصى الأرض ما شهدوا الشهر ـ أي الهلال ـ وأهل مكة شهدوا الهلال فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر‏؟‏‏!‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته‏)‏، متفق عليه، فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا، مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم، والنبي صلى الله عليه وسلم علق ذلك بالرؤية‏.‏

أما الدليل النظري فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل‏؟‏ الجواب‏:‏ لا‏.‏ وإذا غربت الشمس في الجهة الشرقية، ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر‏؟‏ الجواب‏:‏ لا‏.‏ إذن الهلال كالشمس تماماً، فالهلال توقيته توقيت شهري، والشمس توقيتها توقيت يومي، والذي قال‏:‏ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏}‏ هو الذي قال‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ فمقتضى الدليل الأثري والنظري أن نجعل لكل مكان حكماً خاصًّا به فيما يتعلق بالصوم والفطر، ويربط ذلك بالعلامة الحسية التي جعلها الله في كتابه، وجعلها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ألا وهي شهود القمر، وشهود الشمس، أو الفجر‏.‏

* * *

ثبوت رؤية الهلال في بلد من بلاد المسلمين شرعاً، هل يلزم بقية المسلمين أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية‏؟‏

71 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا رؤي الهلال في بلد من بلاد المسلمين فهل يلزم المسلمين جميعاً في كل الدول الصيام، وكيف يصوم المسلمون في بعض بلاد الكفار التي ليس فيها رؤية شرعية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم أي إذا رؤي الهلال في بلد من بلاد المسلمين، وثبتت رؤيته شرعاً، فهل يلزم بقية المسلمين أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية‏؟‏

فمن أهل العلم من قال‏:‏ إنه يلزمهم أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية، واستدلوا بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وبقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا‏)‏ قالوا‏:‏ والخطاب عام لجميع المسلمين‏.‏ ومن المعلوم أنه لا يراد به رؤية كل إنسان بنفسه؛ لأن هذا متعذر، وإنما المراد بذلك إذا رآه من يثبت برؤيته دخول الشهر‏.‏ وهذا عام في كل مكان‏.‏

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه إذا اختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته‏.‏ وإذا لم تختلف المطالع فإنه يجب على من لم يروه إذا ثبتت رؤيته بمكان يوافقهم في المطالع أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية‏.‏ واستدل هؤلاء بنفس ما استدل به الأولون فقالوا‏:‏ إن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏‏.‏ ومن المعلوم أنه لا يراد بذلك رؤية كل إنسان بمفرده، فيعمل به في المكان الذي رؤي فيه، وفي كل مكان يوافقهم في مطالع الهلال‏.‏ أما من لا يوافقهم في مطالع الهلال فإنه لم يره لا حقيقة ولا حكماً‏.‏ قالوا‏:‏ وكذلك نقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ فإن من كان في مكان لا يوافق مكان الرائي في مطالع الهلال لم يكن رآه لا حقيقة ولا حكماً، قالوا‏:‏ والتوقيت الشهري كالتوقيت اليومي، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي، فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره باتفاق المسلمين، فمن كانوا في الشرق فإنهم يمسكون قبل من كانوا في الغرب، ويفطرون قبلهم أيضاً‏.‏

فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيت اليومي، فإن مثله تماماً في التوقيت الشهري‏.‏

ولا يمكن أن يقول قائل‏:‏ إن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏}‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم‏)‏ لا يمكن لأحد أن يقول‏:‏ إن هذا عام لجميع المسلمين في كل الأقطار‏.‏

وكذلك نقول في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏، وهذا القول كما ترى له قوته بمقتضى اللفظ والنظر الصحيح والقياس الصحيح، أيضاً قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي‏.‏

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الأمر معلق بولي الأمر في هذه المسألة، فمتى رأى وجوب الصوم، أو الفطر مستنداً بذلك إلى مستند شرعي فإنه يعمل بمقتضاه، لئلا يختلف الناس ويتفرقوا تحت ولاية واحدة، واستدل هؤلاء بعموم الحديث‏.‏ ‏(‏الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس‏)‏ ‏.‏

وهناك أقوال أخرى ذكرها أهل العلم الذين ينقلون الخلاف في هذه المسألة‏.‏

وأما الشق الثاني من السؤال وهو‏:‏ كيف يصوم المسلمون في بعض بلاد الكفار التي ليس بها رؤية شرعية‏؟‏

فإن هؤلاء يمكنهم أن يثبتوا الهلال عن طريق شرعي، وذلك بأن يتراءوا الهلال إذا أمكنهم ذلك، فإن لم يمكنهم هذا، فإن قلنا بالقول الأول في هذه المسألة فإنه متى ثبتت رؤية الهلال في بلد إسلامي، فإنهم يعملون بمقتضى هذه الرؤية، سواء رأوه أو لم يروه‏.‏

وإن قلنا بالقول الثاني، وهو اعتبار كل بلد بنفسه إذا كان يخالف البلد الآخر في مطالع الهلال، ولم يتمكنوا من تحقيق الرؤية في البلد الذي هم فيه، فإنهم يعتبرون أقرب البلاد الإسلامية إليهم، لأن هذا أعلى ما يمكنهم العمل به‏.‏

* * *

كلمة للمسلمين خارج العالم الإسلامي لتوحيد صفهم حول رؤية هلال رمضان

81 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يعيش المسلمون خارج العالم الإسلامي في خلافات مستمرة حول قضايا متعددة كدخول شهر رمضان وخروجه، وخلاف حول المناصب الدعوية، ويحدث هذا في كل عام مع اختلاف في حدتها من وقت لآخر، ومرد ذلك إلى الجهل بالدين واتباع الهوى والتعصب المذهبي والحزبي أحياناً، دون مراعاة لموافقة الشريعة الإسلامية، والأخذ بآراء أهل العلم المشهود لهم بالفقه والورع، فهل هناك من كلمة توجيهية حفظكم الله لما لفضيلتكم من المكانة لعل الله ينفع بها ويندفع بها كثير من الشر وفقكم الله ورعاكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الواجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة، وألا يتفرقوا في دين الله، كما قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبيِ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ‏}‏ وكما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ‏}‏ وكما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏}‏ فالواجب أن تكون كلمتهم واحدة، وألا يتفرقوا في دين الله، وأن يكون صومهم واحداً وفطرهم واحداً، وهم يتبعون المركز الذي عندهم ـ أعني المركز الديني الذي يوجه من تحت نظره من المسلمين ـ وأن لا يتفرقوا حتى لو تأخر صومهم عن صوم المملكة، أو أي بلاد إسلامية أخرى فليتبعوا ما يقوله المركز‏.‏

* * *

اختلاف المسلمين في بلد غير إسلامي حول رؤية الهلال

91 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ لا تمر سنة في ‏.‏‏.‏‏.‏ إلا ويكون هناك جدل حول رؤية هلال رمضان، أو هلال شوال، وعادة ينقسم المسلمون إلى قسمين‏:‏ صائم ومفطر، وبحكم أن البلد ليس بلداً إسلاميًّا كي يتبع المسلم المقيم أهل البلد في مسألة الصوم والإفطار، فما رأي فضيلتكم في هذا‏؟‏ وهل تستحسنون ـ والأمر كذلك ـ أن يصوم الطالب ويفطر بناء على ما يعلن في المملكة ‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إن كان هناك رابطة دينية تقوم بشؤون المسلمين فلتتبع هذه الرابطة، وعلى الرابطة أن تجتهد فيما يثبت به دخول الشهر وخروجه، وإن لم يكن هناك رابطة فالإنسان ينظر إلى أقرب البلاد الإسلامية إليه فيتبعها، وإن اتبع المملكة فلا حرج عليه، لأن من أهل العلم من يقول‏:‏ إن الشهر إذا ثبت في بلد إسلامي لزم حكمه جميع البلاد الإسلامية، ولكن يبقى الأمر المهم أن الناس إذا اختلفوا في هذا الأمر فليكن اختلافهم اختلافاً واسعاً، بمعنى ألا يكون سبباً للعداوة والبغضاء والتفرق؛ لأن هذا ضرر عظيم على المسلمين‏.‏

* * *

كلمة حول ما حصل من الاختلاف في دخول شهر شوال عام 2410هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏

وبعد، فقد سألني بعض الناس عن دخول شهر شوال عام 2410هـ حيث اختلفت الأمة الإسلامية فيه‏:‏

فأجبته بأن هذا أمر لا غرابة فيه، فإن مطالع الهلال تختلف باختلاف الجهات كما تختلف مطالع الشمس، وهذا ثابت باتفاق أهل المعرفة بهذه الأمور، فقد يرى الهلال في جهة من الجهات ولا يرى في جهة أخرى‏.‏

ويثبت دخول شهر رمضان بواحد من أمرين‏:‏

إما برؤية هلاله، وإما بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته‏)‏ ‏.‏

وفي حديث آخر‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له‏)‏‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين‏)‏‏.‏ وفي حديث آخر‏:‏ ‏(‏فأكملوا عدة شعبان ثلاثين‏)‏‏.‏ وفي هذا العام عام 0241هـ ثبت شرعاً في المملكة العربية السعودية دخول شهر شوال ليلة الجمعة الموافق 7 يناير عام 0002 ميلادية فيوم الجمعة المذكور أول يوم من شوال، ثبت ذلك بشهادة ثلاثة رجال في شمال المملكة، واثنين في وسط المملكة، ولا مناص عن العمل بمثل هذه الشهادة شرعاً، ولهذا كان عيد الفطر من رمضان هذا العام هو يوم الجمعة نسأل الله تعالى القبول لجميع المسلمين‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في /0241هـ‏.‏

إمكانية رؤية أهلة الشهور العربية

20 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يقول بعض الناس‏:‏ إن الأشهر جميعاً لا يعرف دخولها وخروجها بالرؤية، وبالتالي فإن المفروض إكمال عدة شعبان ثلاثين وكذا عدة رمضان، فما حكم هذا القول‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا القول ـ من جهة ـ أن الأشهر جميعاً لا يعرف دخولها وخروجها بالرؤية ليس بصحيح‏.‏ بل إن رؤية جميع أهلة الشهور ممكنة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏‏.‏ ولا يعلق النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً على أمر مستحيل، وإذا أمكن رؤية هلال شهر رمضان فإنه يمكن رؤية هلال غيره من الشهور‏.‏

وأما الفقرة الثانية في السؤال وهي أن المفروض إكمال عدة شعبان ثلاثين وكذلك عدة رمضان، فصحيح أنه إذا غم علينا ولم نرَ الهلال، بل كان محتجباً بغيم أو قتر أو نحوهما فإننا نكمل عدة شعبان ثلاثين ثم نصوم، ونكمل عدة رمضان ثلاثين ثم نفطر‏.‏ هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً‏)‏‏.‏ وفي حديث آخر‏:‏ ‏(‏فأكملوا العدة ثلاثين‏)‏ وعلى هذا فإذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان وتراءى الناس الهلال ولم يروه فإنهم يكملون شعبان ثلاثين يوماً‏.‏ وإذا كانت ليلة الثلاثين من رمضان فتراءى الناس الهلال ولم يروه، فإنهم يكملون عدة رمضان ثلاثين يوماً‏.‏

***

رسالة حول صيام رمضان والفطر منه لمن لا يتمكن من رؤية الهلال

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏:‏ حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

أرجو أن تكونوا ومن تحبون بخير كما أننا بذلك ولله الحمد‏.‏

وصلني كتابكم الكريم المؤرخ‏.‏‏.‏ سرنا صحتكم، ونشكركم على التهنئة بعيد الفطر ونقابلكم بمثلها سائلين الله لنا ولكم وللمسلمين القبول والعود لمثله على خير‏.‏

وقد تضمن كتابكم المذكور الاستفسار عن صيامكم رمضان وفطركم منه، حيث إنكم في مدينة لا يمكن فيها رؤية الهلال‏؟‏

وجوابها‏:‏ أن للعلماء في ذلك أقوالاً أشهرها قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه متى ثبتت رؤية الهلال رمضان، أو شوال، أو غيرهما في أي بلد من بلاد المسلمين ثبت حكمه لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وعلى هذا فإذا ثبتت رؤية الهلال لرمضان في السعودية، أو غيرها لزم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يصوموا، وإذا ثبتت رؤية هلال شوال لزمهم أن يفطروا، سواء اختلفت مطالع الهلال في بلادهم أم اتفقت‏.‏

القول الثاني‏:‏ أنه متى ثبتت رؤية الهلال في بلد من بلاد المسلمين ثبت حكمه لأهل هذه البلد ولمن كان مثلهم في مطالع الهلال دون من خالفهم إلا أن يروه، فمثلاً إذا رؤي الهلال في السعودية لم يلزم من كان بعيداً عنها في خطوط العرض شمالاً، أو جنوباً إلا أن يروه، لأن مطالعهم تخالف السعودية، وكذلك لا يلزم من كان بعيداً عنها من ناحية الشرق وإن وافقها في خط العرض، لأن القمر أبطأ سيراً من الشمس كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ‏}‏ أي عند إهلاله، فربما يكون محاذياً للشمس، أو سابقاً عليها في البلاد الشرقية، ثم في خلال المسافة يتأخر عنها ويهل، ويلزم من كان عنها غرباً موافقاً لها في خط العرض‏.‏

وخلاصة القول‏:‏ إن الهلال إذا ثبتت رؤيته في بلد من بلاد المسلمين ثبت حكمه لأهل هذه البلد ولمن كان عنهم غرباً موافقاً لهم في خط العرض، ولا يثبت حكمه فيما كان بعيداً عنها شرقاً، أو شمالاً، أو جنوباً إلا أن يروه‏.‏

وعلى هذا فإذا ثبت الهلال في السعودية لم يلزمكم حكمه إلا أن تروه أو يراه من كان قريباً منكم، بحيث يوافقكم في المطالع، لأن الولاية التي أنتم فيها بين خطي 03 ـ 04 والسعودية بين خطي 02 ـ 03 وهذا القول أصح من القول الأول أي أن كل بلد لهم حكم رؤيتهم ولمن وافقهم في مطالع الهلال دون من خالفهم إلا أن يروه، كما أن كل بلد له حكمه في طلوع الفجر وغروب الشمس‏.‏

وعلى هذا فاتباعكم لمنظمة اتحاد الطلبة المسلمين أولى من اتباعكم لبلد أبعد منها، لأنكم أقرب إلى موافقتها في المطالع من البلد البعيدة‏.‏

وأما ما ذكرت من اعتماد المنظمة على الوسائل التقنية‏:‏ فإن كانت الوسائل المذكورة وسائل لتقريب الرؤية كالمجاهر الكبيرة والتلسكوبات فهي وسائل صحيحة يصح الاعتماد عليها في إثبات رؤية الهلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بإثبات رؤية الهلال، فمتى رؤي بأي وسيلة ثبت الحكم، وأما إن كانت الوسائل التي تعتمد عليها المنظمة وسائل حسابية لتقدير درجات منازل القمر، فإنه لا يصح اعتماد المنظمة ولا اعتمادكم أنتم عليها، لأنه اعتماد على غير ما اعتبره الشارع وهو رؤية الهلال، فإذا لم يكن للمنظمة سوى هذه الوسيلة الحسابية فلا تعتمدوا عليها، واعتبروا أقرب البلاد الإسلامية إليكم فاتبعوها في صومكم، مادام لا يمكنكم تحري الهلال في البلد التي أنتم فيه؛ لأن هذا غاية ما تستطيعون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها‏.‏ /7931هـ‏.‏

حكم صيام المسلمين عند رؤية هلال رمضان في إحدى الدول الإسلامية

21 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يتفاوت ظهور هلال رمضان، أو هلال شوال بين الدول الإسلامية، فهل يصوم المسلمون عند رؤيته في إحدى هذه الدول‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ مسألة الهلال مختلف فيها بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه إذا ثبتت رؤية هلال رمضان في مكان على وجه شرعي فإنه يلزم جميع المسلمين الصوم، وإذا ثبتت رؤية هلال شوال لزم جميع المسلمين الفطر‏.‏

وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وعلى هذا فإذا رؤي في المملكة العربية السعودية مثلاً وجب على جميع المسلمين في كل الأقطار أن يعملوا بهذه الرؤية صوماً في رمضان، وفطراً في شوال‏.‏ واستدلوا على ذلك بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه، فأفطروا‏)‏‏(‏1‏)‏‏.‏

ومن العلماء من يقول‏:‏ إنه لا يجب الصوم من هلال رمضان ولا الفطر في شوال إلا لمن رأى الهلال، أو كان موافقاً لمن رآه في مطالع الهلال، لأن مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة، فإذا اختلفت وجب أن يحكم لكل بلد برؤيته والبلاد التي توافق في مطالع الهلال، فهي تبع له وإلا فلا‏.‏

وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ واستدل على هذا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وبقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ أي بنفس الدليل الذي استدل به من يرى عموم وجوب حكم الهلال، لكن وجه الاستدلال عند ابن تيمية في هذه الآية وهذا الحديث مختلف، إذ إن الحكم قد علق بالشاهد والرائي، وهذا يقتضي أن من لم يشهد ومن لم ير لا يلزم الحكم، وعليه إذا اختلفت المطالع لا تثبت أحكام الهلال بالتعميم‏.‏

وهذا لا شك وجه قوي في الاستدلال ويؤيده النظر والقياس‏.‏

* * *

حكم رؤية الهلال بالمنظار وهل يقدم الحساب عليها

22 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل الحساب مقدم على رؤية الهلال‏؟‏ وإذا ثبت رؤيته في مكان هل يثبت حكمه في جميع البلدان‏؟‏ وما حكم استعمال المنظار أو المراصد لرؤية الهلال‏؟‏ وما حكم الرؤية عبر الطائرة أو القمر الصناعي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ رؤية الهلال مقدمة على الحساب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه، فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ لكن بشرط أن يكون الرائي موثوقاً لكونه صحيح البصر، عدلاً في دينه، متثبتاً بقوله‏.‏

يرى بعض العلماء أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في مكان ثبت حكمه في جميع البلدان، ويرى آخرون أنه لا يثبت حكمه إلا للبلد التي رؤي فيها وما وافقها في مطالع الهلال، وهذا أصح، لكن هذا يخاطب به ولاة الأمور، أما الناس فهم تبع لولاة أمورهم‏.‏ ولا بأس أن نتوصل إلى رؤية الهلال بالمنظار، أو المراصد‏.‏

أما في الطائرات والقمر الصناعي فلا، وذلك لأن الطائرات والقمر الصناعي يكون مرتفعاً على الأرض التي هي محل ترائي الهلال‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 1/3/9041هـ‏.‏

* * *

صام شهر رمضان في بلد وأدرك عيد الفطر في بلد آخر

بسم الله الرحمن الرحيم

من محبكم محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتابكم الكريم المؤرخ بتاريخ اليوم وصلني سرنا صحتكم جميعاً، الحمد لله على ذلك‏.‏

تهنئتكم إيانا بعيد الفطر المبارك لكم منا مثلها، ونسأل الله أن يجزيكم عنا خيراً، وأن يتقبل دعواتكم المباركة، ويجعلنا وإياكم من المقبولين، الذين أعتقوا من النار، وغفرت لهم الذنوب والأوزار إنه جواد كريم‏.‏

سؤالكم من جهة الابن جوابه‏:‏

أنه يجب عليه الفطر معنا في عيدنا، ثم ينظر كم صام الناس في باكستان‏؟‏ فإن كانوا صاموا ثلاثين كمّل بقية الثلاثين، أو صاموا تسعة وعشرين كمّل بق ية التسعة والعشرين‏.‏

تعزيتكم إيانا بالمرحوم الشيخ محمد‏.‏ فالعزاء للجميع‏.‏

ومن أراد التأسي في مصيبته فللورى برسول الله معتبر

نسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته، ويتجاوز عن سيئاته، ويخلف على المسلمين من يكون فيه الخير والصلاح، والحمد لله على كل حال‏.‏

هذا ما لزم شرفونا بما يلزم، بلغوا سلامنا الأولاد وأقر الله أعينكم بالقادمين منهم، وسلموا لنا على الشيخ محمد وبقية الإخوان، كما منا الجميع بخير‏.‏

والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 92/9/9831هـ‏.‏

سافر من بلد صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر

32 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يقول السائل‏:‏ إذا بدأنا الصوم في المملكة العربية السعودية ثم سافرنا إلى بلادنا في شرق آسيا في شهر رمضان حيث يتأخر الشهر الهجري هناك يوماً فهل نصوم واحداً وثلاثين يوماً، وإن صاموا تسعة وعشرين يوماً فهل يفطرون أم لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا سافر الإنسان من بلد والتي صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا، ونظير هذا لو سافر في يومه إلى بلد يتأخر فيه غروب الشمس فإنه يبقى صائماً حتى تغرب الشمس ولو بلغ عشرين ساعة، إلا إن أفطر من أجل السفر فله الفطر من أجل السفر، وكذلك العكس لو سافر إلى بلد أفطروا قبل أن يتم الثلاثين فإنه يفطر معهم، إن كان الشهر تامًّا قضى يوماً، وإن كان غير تام فلا شيء عليه، فهو يقضي إذا نقص الشهر، وإذا زاد الشهر يتحمل الزيادة، والله أعلم ‏.‏

* * *

حكم من صام في بلد مسلم ثم انتقل إلى بلد آخر تأخر أهله عن البلد الأول

42 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم من صام في بلد مسلم ثم انتقل إلى بلد آخر تأخر أهله عن البلد الأول ولزم من متابعتهم صيام أكثر من ثلاثين يوماً أو العكس‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا، لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوم، أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس، فإنه يبقى صائماً حتى تغرب، وإن زاد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثاً، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته، فقال‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته‏)‏‏.‏

وأما العكس‏:‏ وهو أن ينتقل من بلد تأخر فيه ثبوت الشهر إلى بلد تقدم ثبوت الشهر فيه فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان إن فاته يوم قضى يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين، فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوماً قضى يومين إن كان الشهر تامًّا في البلدين، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما أو في أحدهما

* * *

52 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ قد يقول قائل‏:‏ لماذا قلتم يؤمر بصيام أكثر من ثلاثين يوماً في الأولى ويقضي في الثانية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، ويزيد على الثلاثين يوماً لأنه لم يُر الهلال، وفي الأولى قلنا له‏:‏ أفطر وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلابد من الفطر، لا يمكن أن تصوم يوماً من شوال، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين لزمك أن تتم تسعة وعشرين بخلاف الثاني، فإنك لا تزال في رمضان إذا قدمت إلى بلد ولم ير الهلال فيه فأنت في رمضان، فكيف تفطر فيلزمك البقاء، وإذا زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في اليوم‏.‏

* * *

62 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يحصل أن بعض البلدان يرى أهلها الهلال قبلنا أو بعدنا، فهل نلتزم برؤيتهم أم برؤية بلادنا‏؟‏ فمثلاً سافر الإنسان من المملكة إلى باكستان وقد ثبت الشهر في المملكة دون باكستان، وكيف نفعل في البلاد الكافرة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كنت في بلد لا تدري أرأوا الهلال أم لا فإنك تبني على الأصل فإن شككت هل رؤي الهلال أم لا‏؟‏ فإن كنت في شعبان فلا يلزمك الصوم، وإن كنت في رمضان فلا تفطر، والسؤال الذي ورد يفترض أن الإنسان سافر من المملكة السعودية إلى باكستان ونزل في باكستان، وباكستان لم يروا الهلال، والسعودية ثبت عندها رؤية هلال شوال، نقول في هذه الحالة‏:‏ تبقى صائماً؛ لأنك في مكان لم ير فيه الهلال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته‏)‏، فلو فرض أنك رجعت في اليوم نفسه فلك أن تفطر، والعكس إذا ذهبنا إلى الغرب ونزلنا في بلد رأوا هلال رمضان ولم ير في السعودية فإننا نصوم؛ لأن المكان رؤي فيه الهلال لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ فالعبرة بمكانك الذي أنت فيه، فمتى ما رؤي الهلال فاعمل به إفطاراً وصوماً‏.‏

وأما في البلاد الكافرة إذا رأيته فصم، وإذا لم تره فابن على الأصل‏.‏

إذا أشكل عليكم ابنوا على اليقين، وفي الحقيقة أنتم مسافرون ولكم أن تفطروا، وليُعلم أن الهلال إذا رؤي في السعودية فسيرى في أمريكا قطعاً؛ لأن البلاد الشرقية ترى الهلال قبل البلاد الغربية، والعكس إذا كنتم في الباكستان أو اليابان وما أشبه ذلك‏.‏

* * *

رسالة

إلى فضيلة شيخنا المكرم محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله آمين‏.‏

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

فلقد بحثنا بالسابق من زمن الثمانينيات فيما أظن في مسألة مرت عليَّ في سفر، فقد سافرت في منتصف رمضان وكان ابتداء صيامنا يوم الثلاثاء في المملكة إلى الشام وكان ابتداء صيامهم يوم الأربعاء، فأكملت صيامي قبل يوم الثلاثين عندهم بحيث تكون عيداً لي وهم في آخر يوم من الشهر وقد أفطرت لاستكمال الثلاثين وهم صيام‏؟‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

إذا سافر الرجل من بلد إلى بلد اختلف مطلع الهلال فيهما، فالقاعدة أن يكون صيامه وإفطاره حسب البلد الذي هو فيه حين ثبوت الشهر، لكن إن نقصت أيام صيامه عن تسعة وعشرين يوماً، وجب عليه إكمال تسعة وعشرين يوماً لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وهذه القاعدة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه‏)‏‏.‏ ومن حديث كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية في الشام، وفيه أن كريباً أخبر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن الناس رأوا هلال رمضان ليلة الجمعة في الشام، فقال ابن عباس‏:‏ لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقال كريب‏:‏ ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه‏؟‏ فقال‏:‏ لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وإليك أمثلة تبين هذه القاعدة‏:‏

المثال الأول‏:‏ انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم السبت، وأفطروا يوم الأحد عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم ويلزمه قضاء يوم‏.‏

المثال الثاني‏:‏ انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الأربعاء عن ثلاثين يوماً، فيبقى صائماً معهم ولو زاد على ثلاثين يوماً لأنه في مكان لم ير الهلال فيه، فلا يحل له الفطر، ويشبه هذا ما لو سافر صائماً من بلد تغيب فيه الشمس الساعة السادسة إلى بلد لا تغيب فيه إلا الساعة السابعة، فإنه لا يفطر حتى تغيب الشمس في الساعة السابعة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏}‏‏.‏

المثال الثالث‏:‏ انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الثلاثاء عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم ويكون صومهم تسعة وعشرين يوماً، وصومه ثلاثين يوماً‏.‏

المثال الرابع‏:‏ انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الثلاثاء عن ثلاثين يوماً إلى بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الاثنين عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم، ولا يلزمه قضاء يوم؛ لأنه أتم تسعة وعشرين يوماً‏.‏

دليل وجوب فطره في المثال الأول أنه رؤي الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ ودليل وجوب قضاء اليوم قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الشهر تسع وعشرون‏)‏ فلا يمكن أن ينقص عن تسع وعشرين ليلة‏.‏

ودليل وجوب بقائه صائماً فوق الثلاثين في المثال الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فأفطروا‏)‏ فعلق الفطر بالرؤية، ولم تكن فيكون ذلك اليوم من رمضان في ذلك المكان فلا يحل فطره‏.‏

وأما حكم المثال الثالث والرابع فواضح‏.‏

هذا ما ظهر لنا في هذه المسألة بأدلتها وهو مبني على القول الراجح من اختلاف الحكم باختلاف المطالع، أما على القول بأنه لا يختلف الحكم بذلك وأنه متى ثبتت رؤيته شرعاً بمكان لزم الناس كلهم الصوم أو الفطر فإن الحكم يجري على حسب ثبوته لكن يصوم أو يفطر سرًّا لئلا يظهر مخالفة الجماعة‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 5/5/9141هـ‏.‏

72 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا صمت تسعة وعشرين يوماً وأعلن في آخر الليل أن غداً مكمل للثلاثين من رمضان أي أني سأصومه، ولكني سافرت في تلك الليلة لبلد آخر، وعندما وصلت قالوا لي‏:‏ إنه ثبت دخول شوال هذه الليلة في بلدهم الذي ذهبت إليه فهل أتابع ما كنت عليه في بلدي وأصوم، أو أفطر وأعيّد معهم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الواجب عليك أن تفطر مع البلد الذي أدركك العيد وأنت فيه، ثم إن كان شهرك ناقصاً عن التسعة والعشرين فأكمله، وإن تم تسعة وعشرين فإن الشهر يكون تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين فلا يلزمك إتمام الثلاثين إلا أن يكون تامًّا في البلدين، فإن الواجب عليك إتمام الثلاثين‏.‏

* * *

82 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا صمت تسعة وعشرين يوماً وعيّدت يوم ثلاثين في البلد الذي أنا صائم فيه ولكني ذهبت صباحية العيد إلى بلد آخر، وأنا مفطر، ولكني وجدتهم صائمين فهل أصوم أو أبقى على فطري وعيدي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يلزمك أن تمسك لأنك أفطرت بطريق شرعي فصار اليوم في حقك يوماً مباحاً، فلا يلزمك إمساكه، لو غابت عليك الشمس في بلد ثم سافرت إلى بلد فأدركت الشمس قبل أن تغيب فإنه لا يلزمك صيامه‏.‏

92 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا قدم الإنسان من بلد تأخر صومه إلى بلد تقدم صومه فمتى يفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا قدم الإنسان من بلد تأخر صومه إلى بلد تقدم صومه فإنه يجب عليه إذا أفطر أهل البلد الذي قدم إليه أن يفطر معهم؛ لأن هذا البلد ثبت فيه دخول الشهر، فكان هذا اليوم يوم عيد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام العيدين، وعلى هذا فيجب على هذا الرجل الذي قدم من بلد تأخر صومه عن أهل هذا البلد الذي قدم إليه، يجب عليه أن يفطر مع أهل البلد الذي قدم إليه وما نقص فإنه يقضيه بعد العيد، فإذا كان قد صام ثمانية وعشرين يوماً، فإنه إذا أفطر يقضي يوماً، والعكس بالعكس، يعني لو قدم من بلد صاموا قبل البلد الذي قدم إليه فإنه يبقى حتى يفطروا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس‏)‏‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ إنه إذا أتم ثلاثين يوماً فإنه يفطر سرًّا، لأن الشهر لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماً، ولا يعلن إفطاره؛ لأن الناس صائمون‏.‏

* * *

03 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عمن رأى الهلال وحده ماذا يجب عليه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ من رأى الهلال وحده يجب عليه أن يبلغ به المحكمة الشرعية ويشهد به، ويثبت دخول شهر رمضان بشهادة واحد إذا ارتضاه القاضي وحكم بشهادته، فإن ردت شهادته فقد قال بعض العلماء‏:‏ إنه يلزمه أن يصوم، لأنه تيقن أنه رأى الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته‏)‏ وهذا قد رآه‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ لا يلزمه أن يصوم، لأن الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس، وموافقته للجماعة خير من انفراده وشذوذه، وفصل آخرون فقالوا‏:‏ يلزمه الصوم سرًّا، لأنه رأى الهلال، ويكون سرًّا لئلا يظهر مخالفة الجماعة‏.‏

* * *

13 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا تيقن شخص من دخول الشهر برؤية الهلال ولم يستطع إبلاغ المحكمة فهل يجب عليه الصيام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ اختلف العلماء في هذا، فمنهم من يقول‏:‏ إنه لا يلزمه، وذلك بناء على أن الهلال هو ما استهل واشتهر بين الناس‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ إنه يلزمه؛ لأن الهلال هو ما رؤي بعد غروب الشمس، سواء اشتهر بين الناس أم لم يشتهر‏.‏

والذي يظهر لي أن من رآه وتيقن رؤيته وهو في مكان ناء لم يشاركه أحد في الرؤية، أو لم يشاركه أحد في الترائي، فإنه يلزمه الصوم، لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا‏)‏ ولكن إن كان في البلد وشهد به عند المحكمة، وردت شهادته فإنه في هذا الحال يصوم سرًّا، لئلا يعلن مخالفة الناس‏.‏

* * *

23 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا رأيت بمفردي هلال عيد الفطر ولم يعلن في البلاد عن رؤيته فهل أفطر وأعيّد والبلد كله سوف يصوم، حيث إنني أتبع حديث‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته‏)‏ أم أتابع أهل بلدي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يقول أهل العلم‏:‏ إن الإنسان إذا رأى وحده هلال شوال فإنه يجب عليه أن يصوم، لأن هلال شوال لا يثبت دخوله شرعاً إلا بشاهدين، ويرى بعض أهل العلم أنه يفطر سرًّا، والقول الأول هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ‏.‏

* * *

أسئلة منوعة

33 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ على من يجب الصوم ‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصيام يجب أداءً على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم، خال من الموانع، فهذه ستة أوصاف، فأما الكافر فلا يجب عليه الصوم ولا غيره من العبادات، ومعنى قولنا‏:‏ لا يجب عليه الصوم أنه لا يلزم به حال كفره، ولا يلزمه قضاؤه بعد إسلامه، لأن الكافر لا تقبل منه عبادة حال كفره، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يأتُونَ الصَّلَوةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ‏}‏ ولا يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأوَّلِينِ ‏}‏ لكنه يعاقب على ما تركه من واجبات حال كفره، لقوله تعالى عن أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين ‏{‏مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ‏}‏ فذكر ترك الصلاة وإطعام المسكين من أسباب دخولهم النار، يدل على أن لذلك تأثيراً في دخولهم النار، بل إن الكافر يعاقب على كل ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ‏}‏ فنفي الجُناح عن المؤمنين فيما طعموا يدل على ثبوت الجُناح على غير المؤمنين فيما طعموا، ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هي لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‏}‏ فقوله‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‏}‏ يدل على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في المؤمنين، ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزمه قضاء ما سبق إسلامه، فإذا أسلم ليلة الخامس عشر مثلاً فالأيام الأربعة عشر لا يلزمه قضاؤها، وإذا أسلم في أثناء اليوم لزمه الإمساك دون القضاء، فإذا أسلم عند زوال الشمس مثلاً قلنا له‏:‏ أمسك بقية يومك، ولا يلزمك القضاء‏.‏ فنأمره بالإمساك؛ لأنه صار من أهل الوجوب، ولا نأمره بالقضاء لأنه قام بما وجب عليه وهو الإمساك، ولم يكن قبله من أهل الوجوب، ومن قام بما يجب عليه لم يكلف إعادة العبادة مرة ثانية‏.‏

أما العقل وهو الوصف الثاني لوجوب الصوم ما يحصل به التمييز بين الأشياء، فإذا لم يكن الإنسان عاقلاً فإنه لا صوم عليه، كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات سوى الزكاة‏.‏ ومن هذا النوع أي ممن ليس له عقل، أن يبلغ الإنسان سنًّا يسقط معه التمييز، وهو ما يعرف عند العامة ‏(‏بالهذرات‏)‏ فلا يلزم المهذري صوم، ولا يلزم عنه إطعام؛ لإنه ليس من أهل الوجوب‏.‏

أما الوصف الثالث‏:‏ فهو البلوغ، ويحصل البلوغ بواحد من أمورٍ ثلاثة‏:‏

إما بأن يتم الإنسان خمس عشرة سنة، أو أن يُنبت العانة وهو الشعر الخشن الذي يكون عند القُبل، أو ينزل المني بلذة، سواءً كان ذلك باحتلام أو بيقظة، وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض، فإذا حاضت المرأة بلغت، وعلى هذا فمن تم له خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن أنزل منياً بلذة من ذكر أو أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغ، ومن حاضت ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغت، وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر سنين، وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من الناس، فإن بعض النساء تحيض مبكرة ولا تدري أنه يلزمها الصوم وغيره من العبادات، التي يتوقف وجوبها على البلوغ؛ لأن كثيراً من الناس يظن أن البلوغ إنما يكون بتمام خمس عشرة سنة، وهذا ظن لا أصل له‏.‏

فإذا لم يكن الإنسان بالغاً فإن الصوم لا يجب عليه، ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمورٌ بأن يأمر موليه الصغير من ذكر أو أنثى بالصوم ليعتاده، حتى يتمرن عليه ويسهل عليه إذا بلغ، وهذا ما كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفعلونه، فإنهم كانوا يصوِّمون أولادهم الصغار، حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبة من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس‏.‏

وأما الوصف الرابع‏:‏ فهو أن يكون الإنسان قادراً على الصوم، فإن كان غير قادر فلا صوم عليه، ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين‏:‏

القسم الأول‏:‏ أن يكون عجزه عن الصوم مستمرًّا دائماً‏:‏ كالكبير، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر ثلاثين يوماً أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً، وللإطعام كيفيتان‏:‏

الكيفية الأولى‏:‏ أن يخرج حبًّا من رز أو بر، وقدره ربع صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أي خُمُس صاع بالصاع المعروف هنا، ويساوي أعني صاع النبي صلى الله عليه وسلم كيلوين وأربعين غراماً بالبر الجيد الرزين، يعني أنك إذا وزنت من البر الرزين الدجن ما يبلغ كيلوين وأربعين غراماً فإن هذا صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، والصاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد فيكفي لأربعة مساكين، ويحسن في هذا الحال أن تجعل معه إذا دفعته للفقير أن تجعل معه شيئاً يؤدمه من لحم أو غيره، حسب ما تقتضيه الحال والعرف‏.‏

والوجه الثاني من الإطعام‏:‏ أن يصنع طعاماً يكفي لثلاثين فقيراً، أو تسعة وعشرين فقيراً حسب الشهر ويدعوهم إليه، كما ذكر ذلك عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ حين كبر، ولا يجوز أن يطعم شخصاً واحداً مقدار ما يكفي الثلاثين، أو التسعة والعشرين؛ لأنه لابد أن يكون عن كل يوم مسكين‏.‏

القسم الثاني من العجز عن الصوم‏:‏ فهو العجز الذي يرجى زواله، وهو العجز الطارىء‏:‏ كمرض حدث على الإنسان في أيام الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم فنقول له‏:‏ أفطر واقض يوماً مكانه، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏‏.‏

أما الوصف الخامس‏:‏ فهو أن يكون مقيماً وضده المسافر، وهو الذي فارق وطنه فلا يلزمه الصوم، وعليه القضاء، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه فالأفضل الفطر‏.‏ لقول أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة‏)‏، أما إذا شق عليه الصوم فإنه يفطر ولابد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم شُكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام فأفطر، ثم قيل له‏:‏ إن بعض الناس قد صام فقال‏:‏ ‏(‏أولئك العُصاة، أولئك العصاة‏)‏ ومتى برىء المريض، أو قدم المسافر إلى بلده وجب عليه القضاء، وله تأخيره إلى أن يبقى بينه وبين رمضان الثاني بقدر الأيام التي عليه‏.‏

أما الوصف السادس‏:‏ فأن يكون خالياً من الموانع، أي من موانع الوجوب، وهذا يختص بالمرأة، فيشترط في وجوب الصوم عليها أداءً ألا تكون حائضاً ولا نفساء، فإن كانت حائضاً أو نفساء فإنه لا يلزمها الصوم، وإنما تقضي بدل الأيام التي أفطرت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك‏:‏ ‏(‏أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم‏)‏ أي إذا حاضت المرأة فلا صوم عليها، ولكن تقضيه في أيام أخر‏:‏ كالمريض‏.‏

وهنا مسألتان ينبغي التفطن لهما‏:‏

المسألة الأولى‏:‏ أن بعض النساء تطهر في آخر الليل، وتعلم أنها طهرت، ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظنًّا منها أنها إذا لم تغتسل فإنها لا يصح صومها، وليس الأمر كذلك، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر‏.‏

وأما المسألة الثانية‏:‏ فهي أن بعض النساء تكون صائمة فإذا غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب، فبعض النساء تقول‏:‏ إنها إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلاة المغرب فإن صومها ذلك النهار يفسد، وكذلك بعض النساء يبالغ أيضاً ويقول‏:‏ إذا جاءها الحيض قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يفسد، وكل هذا ليس بصحيح، فالمرأة إذا غابت الشمس وهي لم تر الحيض خارجاً فصومها صحيح، حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة فصومها صحيح، هذه ستة أوصاف إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه صوم رمضان أداءً ولا يحل له أن يفطر، فإن تخلف واحد منها فالحكم كما علمت في الجواب من التفصيل‏.‏

* * *

43 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم من يصوم أياماً ويفطر أخرى من رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ جواب هذا السؤال يمكن أن يفهم مما سبق وهو أن هذا الذي يصوم يوماً ويدع يوماً لا يخرج من الإسلام، لكنه يكون فاسقاً لتركه هذه الفريضة العظيمة التي هي أحد أركان الإسلام، ولا يقضي الأيام التي أفطرها، لأن قضاءه إياها لا يفيده شيئاً، فإنه لا يقبل منه بناءً على ما أشرنا إليه سابقاً من أن العبادة المؤقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها المحدد بلا عذر فإنها لا تقبل منه‏.‏

* * *

53 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا طهرت الحائض قبل الفجر واغتسلت بعد فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إن صومها صحيح إذا تيقنت الطهر قبل طلوع الفجر، المهم أن المرأة تتيقن أنها طهرت؛ لأن بعض النساء تظن أنها طهرت وهي لم تطهر، ولهذا كانت النساء يأتين بالقطن لعائشة ـ رضي الله عنها ـ فيرينها إياه علامة على الطهر، فتقول لهن‏:‏ لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء‏.‏ فالمرأة عليها أن تتأنى حتى تتيقن أنها طهرت، فإذا طهرت فإنها تنوي الصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، ولكن عليها أيضاً أن تراعي الصلاة فتبادر بالاغتسال لتصلي صلاة الفجر في وقتها، وقد بلغنا أن بعض النساء تطهر بعد طلوع الفجر، وقبل طلوع الفجر ولكنها تؤخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الشمس بحجة أنها تريد أن تغتسل غسلاً أكمل وأنظف وأطهر، وهذا خطأ لا في رمضان ولا في غيره؛ لأن الواجب عليها أن تبادر وتغتسل لتصلي الصلاة في وقتها، ثم لها أن تقتصر على الغسل الواجب لأداء الصلاة، وإذا أحبت أن تزداد طهارة ونظافة بعد طلوع الشمس فلا حرج عليها، ومثل المرأة الحائض من كان عليها جنابة فلم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فإنه لا حرج عليها وصومها صحيح، كما أن الرجل لو كان عليه جنابة ولم يغتسل منها إلا بعد طلوع الفجر وهو صائم فإنه لا حرج عليه في ذلك، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيقوم ويغتسل بعد طلوع الفجر صلى الله عليه وسلم‏.‏ والله أعلم‏.‏